تشييد المجاهد الصحفي احمد فاضلي

أحمد فاضلي
من الجزائر
إلى أقصى حدود العالم
لم يك المجاهد الراحل أحمد فاضلي، مجرد رجل عَبَر المواقيت ومضى لنهايته التي أرادها الله له
وانما، كان رجلا استثنائيا مختلفا، ملأ الحياة والأمكنة على طريقته الخاصة وبلمسته المتفردة.
يكفي، أن نذكر اسمه اليوم، لتُخْبرنا الدفاتر، أن الرجل كان علامة فارقة في الجهاد، في الاعلام، وحتى في حياته الاسرية.
ولد، سي أحمد، بتاريخ ١١ اكتوبر العام ١٩٣٦، بجلال، ولاية خنشلة، التي كانت آنذاك، معلما علميا ومعرفيا ودينيا كبيرا.
إذ أن والده، هو العلّامة الشيخ الأمين فاضلي، الرجل الذي كرمه الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، عميدا لحفاظ القرآن، ومساهما في نشر التعليم والوعي، في وقت كانت الهوية الجزائرية في مهب الريح
أكمل سي احمد مشواره العلمي بمدينة قسنطينة.
وقبلها عبَر الزيتونة بتونس والازهر بمصر.
فجأة…
هبت ريح الثورة، فلبى الرجل النداء وكان مخلصا لجذوتها وقد اشتعلت لأجل غاية نبيلة: إستقلال الجزائر.
التحق بالحركة الوطنية، وكان له دور محوري بالولاية التاريخية الاولى، فعمل مراسلا، لإذاعة – صوت العرب- بالقاهرة، في خمسينيات القرن الماضي.
فهل كان الصوت – بنبرته الثورية – مؤثرا، أكاد أن أجزم، نعم.
لاحقا تم تعيينه مديرا للمدرسة النموذجية، التي تحتوي بين جنباتها ٦٠٠على تلميذا من ابناء المجاهدين
وهي المحطة – أيضا- التي جعلته يلتقي بالشهيد البطل عباس لغرور.
من لا يعرف عباس لغرور، كأنه لا يعرف أزير الأسود.
أطلت ذكرى اول نوفمبر، وأطل معها سي أحمد فاضلي كما يفعل الابطال بالمدرسة ذاتها،
ألقى، كلمته الحماسية التي امتزج فيها الصوت الجهوري القوي الرخيم، برائحة البارود، الأمر الذي أثر بكل الحضور، ودجج أرواحهم، بأريج الوطن، وأناشيد الحماس.
وربما كانت هذه المحطة، فاتحة خير لمحطات أخرى، عرف الرجل فيها، كيف يقول حبه لوطنه، ببساطة، بعفوية وحزم.

ثم تعانقا معا صوتا – سي أحمد فاضلي وعيسى مسعودي، لأجل إنشاد أغنية هي الأجمل: الجزائر.
يلتقي بعدها، سي أحمد، بهواري بومدين، ومحمد خيضر، ويقول الرجلان:
تحتاج الجزائر صوتك، وتحتاج أكثر نبرتك الثورية التي تنم عن كبرياء، يشبه الأوراس
يخجل الرجل، من فرط تواضعه، ومن فرط اخلاقه.
يتكرر لقاء سي أحمد بهواري بومدين، بغار الدّماء على الحدود الجزائرية التونسية، خلال وقف القتال، في مارس ٦٢. ويتعانقان، كل يعترف بجميل الآخر، على الجزائر..
أثناء لقاء الرجلين، أيضا، طلب بومدين، من سي أحمد ان يقرأ له، من كتب محمود العقاد، فازداد إعجابا بلغته السلسة، ومخارج الحروف السليمة، فلكفه رسميا بقراءة بيان الاستقلال، في الخامس جويلية ١٩٦٢، بالإذاعة، المؤسسة الجزائرية، الحرة.
وقد جاء آنذاك، قرار المكتب السياسي، ممثلا في محمد خيضر، ليكلف، سي أحمد، رسميا بقراءة بيان استقلال الجزائر عبر اثير الاذاعة الجزائرية، مباشرة، وذلك بعد بث كلمتي الجنرال ديغول، والسيد يوسف بن خدة، رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة.
لم تك اللحظة عادية كانت تاريخية، على المستوى المهني والشخصي، إذ صار اسم أحمد فاضلي، ماركة مسجلة لتاريخ إذاعي لاحق، سيكون كبيرا وثريا.
بعد الاستقلال، بأسبوع، توجه لمدينة الجسور المعلقة – قسنطينة- بأمر من محمد خيضر، وبالتنسيق مع عيسى مسعودي، رابح مشحود، لافتتاح اذاعة قسنطينة، حيث رفع العلم الوطني، على مبناها، في الفاتح جويلية ٦٢، قبل ان يرفع العلم في ٢٨ اكتوبر .١٩٦٢، تاريخ استرجاع السيادة على الإذاعة والتلفزيون
وإثر ذلك، أصدر الرئيس بن بلة آنذاك مرسوما، لتأسيس الاذاعة والتلفزيون في الفاتح اوت ١٩٦٢.
التحق، بعدها سي أحمد فاضلي بالإذاعة الوطنية، بالجزائر العاصمة، ونال شرف، رفع العلم الوطني لأول مرة، بتاريخ ٢٨ اكتوبر ١٩٦٢.
عاصر الرجل، الاعلامي القدير رؤساء الجزائر المستقلة، واشتغل مراسلا رئاسيا، لهم داخل وخارج الوطن.
وقد عمل الى جانب احمد بن بلة، هواري بومدين، الشاذلي بن جديد، اليامين زروال حتى أحيل على التقاعد، في الستين من عمره – العام ١٩٩٦.
مسيرة الرجل لم تك عادية تماما
الرجل حاور
نيكيتا خروتشوف
فيدال كاسترو
جوزيف تيتو
جون كينيدي
جمال عبد الناصر
الحبيب بورقيبة
تشي قي فارا.
وكما التقى بأهل السياسة، وحاورهم، لم يفوّت الشق الفكري والثقافي ايضا

إذ استأنس بطه حسين وحاوره
مثلما حاور
نجيب محفوظ
توفيق الحكيم
يوسف ادريس
عباس محمود العقاد
أما الفنانين، الذين التقاهم وأجرى معهم حوارات مطولة، فهم:
محمد فوزي ملحن النشيط الوطني الجزائري
العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ
موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب
سيدة الغناء أم كلثوم
وعميد الشعبي الجزائري: محمد العنقى
هذا، وقد ساهم الاعلامي أحمد فاضلي، في انتاج عدد من البرامج الاذاعية والتلفزية، وبذل مجهودا كبيرا في تعريب الجيش الوطني الشعبي، كما حاضر، في مؤتمرات فكر، وأثرى المشهد الثقافي، بمتحف المجاهد، وجملة من الجامعات الجزائرية والعربية.
كان من أشرس المدافعين عن اللغة العربية، ومحررا نشيطا، بجريدة البصائر، لجمعية العلماء، الامر الذي جعله محل عشرات التكريمات، لعل أبرزها، وسام الاستحقاق، لدولة مصر، والذي سلمه اياه الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، بالقاهرة، العام ١٩٦٦
كما يعتبر المجاهد والاستاذ احمد فاضلي، مدرسة اعلامية قائمة بحد ذاتها إذ ارتبطت الذاكرة الجماعية باسمه وصوته الطاغي الحضور
وكانت طلته موعدا مقدسا، في ساعات الجزائريين
ترك المجاهد الراحل – سي احمد فاضلي، عددا من المخطوطات التاريخية، الابداعية المهمة من بينها- مخطوط في الرواية–
إضافة لشهادات معاصرة، تعنى بالتاريخ الراهن، ورأي الرجل في الاحداث التي عاصرها، وكان خير شاهد عليها.
غادر الفقيد – سي احمد فاضلي- عالمنا، ببيته في الشراقة، بالجزائر العاصمة، بتاريخ،٢٢ مارس٢٠٢٢ عن عمر، ناهز ٨٦ سنة، تاركا، إرثه التاريخي، الثقافي، الفكري، والإعلامي.
رحمه الله، وجعل مستقره الجنة، في عليين، مع الشهداء والابرار.
مراد بوكرزازة.
